النفط الكندي يغير وجهته التاريخية نحو الصين.. تحوّل استراتيجي في خريطة الطاقة العالمية

الصين تتصدر قائمة المستوردين الجدد مع توسع خط أنابيب "ترانس ماونتن"

النفط الكندي يغير وجهته التاريخية نحو الصين..  تحوّل استراتيجي في خريطة الطاقة العالمية
النفط

شهد قطاع النفط الكندي تحولًا استراتيجيًا غير مسبوق بعد عقود من الارتهان للسوق الأمريكية، إذ بدأت صادرات كندا من الخام تتجه شرقًا نحو الصين، في خطوة تعكس إعادة رسم خريطة تجارة الطاقة العالمية، وتراجع هيمنة الولايات المتحدة كمستورد رئيسي للنفط الكندي.

فمع دخول خط أنابيب "ترانس ماونتن" الموسّع إلى الخدمة في عام 2024 بطاقة جديدة تبلغ 890 ألف برميل يوميًا، فتحت كندا منفذًا مباشرًا إلى الأسواق الآسيوية عبر سواحلها على المحيط الهادئ، ما أتاح تنويع أسواق التصدير وتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية التي كانت تستحوذ تاريخيًا على أكثر من 95% من النفط الكندي.

 الصين تتصدر الوجهات الجديدة

وفق بيانات بلومبرج، بلغت صادرات النفط الكندي إلى الصين نحو 207 آلاف برميل يوميًا خلال الأشهر الأولى من عام 2025، متجاوزة الكميات المتجهة إلى الولايات المتحدة التي لم تتعدَّ 173 ألف برميل يوميًا.
ويُتوقع أن تسجل أكتوبر أعلى مستويات شحن على الإطلاق، إذ تتجه نحو 70% من ناقلات النفط المغادرة من كولومبيا البريطانية إلى الموانئ الصينية، بما يعادل خمسة ملايين برميل في النصف الأول من الشهر وحده.

وتُشير التقديرات إلى أن النسبة الفعلية قد تكون أعلى من ذلك، نظرًا لمرور بعض الشحنات عبر الموانئ الأمريكية قبل إعادة تصديرها إلى الصين، ما يعكس تنامي اعتماد بكين على النفط الكندي كمصدر آمن ومستقر للطاقة.

 الصين تخزّن وتستثمر في أمنها الطاقي

تأتي هذه الطفرة في واردات النفط الكندي في وقت تعمل فيه الصين على تعزيز أمنها الطاقي عبر تكوين احتياطيات استراتيجية ضخمة، حيث تبني حاليًا 11 منشأة تخزين جديدة بطاقة إجمالية تبلغ 169 مليون برميل.
وتستغل بكين انخفاض الأسعار العالمية لتكثيف مشترياتها من الخام وتخزينه، ما يمنحها مرونة استراتيجية في مواجهة تقلبات السوق العالمية أو أي اضطرابات جيوسياسية محتملة في الإمدادات.

 مكاسب كندية رغم ضعف الأسعار

ورغم استمرار الضغوط على أسعار النفط عالميًا، إلا أن الطلب الصيني القوي ساهم في رفع أسعار خام "ويسترن كندا سيلكت" إلى أعلى مستوى منذ يوليو الماضي، وهو ما يُعيد الزخم إلى قطاع الرمال النفطية في البلاد.
وتتوقع مؤسسة "إس آند بي غلوبال" أن يصل إنتاج كندا من الرمال النفطية إلى مستوى قياسي يبلغ 3.5 ملايين برميل يوميًا خلال 2025، مدفوعًا بتوسع الصادرات الآسيوية وتحسن العوائد التشغيلية لشركات الطاقة الكندية.

 قراءة تحليلية: نهاية عهد التبعية الأمريكية

يمثل هذا التحول نقطة فاصلة في علاقة كندا الطاقية بالولايات المتحدة. فبعد عقود من الاعتماد الكامل على جارتها الجنوبية كسوق وحيدة لتصريف النفط، بدأت أوتاوا تنجح في تحقيق استقلال نسبي في أسواق الطاقة عبر الانفتاح على آسيا.
كما يمنحها هذا التوجه قدرة تفاوضية أكبر في تسعير صادراتها، ويعزز مكانتها كمورد مستقر للطاقة في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية وتزايد الطلب الآسيوي.

كندا — التي لطالما وُصفت بأنها "خزان الطاقة الأمريكي" — تعيد اليوم صياغة موقعها على خريطة النفط العالمية. فبينما تبحث الصين عن أمان طاقي طويل الأمد، تسعى كندا إلى تنويع أسواقها وتعظيم عوائدها، في مشهد يعكس تحول ميزان القوى في سوق الطاقة من الغرب إلى الشرق.