إيناس العدوي تكتب: الذهب.. الملاذ الأخير في عالم يترنح
يبدو أن العالم يقف على أعتاب مرحلة اقتصادية غامضة، تتراجع فيها الثقة في العملات الكبرى وتتبدد فيها القواعد القديمة التي حكمت الأسواق لعقود. وسط هذا الاضطراب، يعود الذهب إلى الواجهة بوصفه الملاذ الآمن الوحيد في عالم يفقد اتزانه المالي والسياسي.
لم يعد الدولار، الذي كان يُنظر إليه بوصفه الركيزة الصلبة للنظام النقدي العالمي، قادراً على طمأنة الأسواق. الديون الأمريكية تجاوزت حدود المألوف، والعملة الأوروبية تواجه اضطرابات داخلية بسبب التضخم وأزمات الطاقة، فيما تعاني اليابان من ضعف الين وتراجع قدرته على الصمود أمام تقلبات الأسواق. الثقة في العملات أصبحت عملة نادرة في حد ذاتها.
وفي مواجهة هذا الواقع، لجأت البنوك المركزية في أنحاء العالم إلى الذهب، ليس كوسيلة استثمارية، بل كأداة دفاعية لحماية ما تبقى من استقرار نقدي. تشير التقديرات إلى أن نسبة الذهب في احتياطيات البنوك المركزية تجاوزت 20%، متقدمة بذلك على حيازاتها من اليورو. هذا التحول لا يمكن قراءته إلا باعتباره إعلاناً ضمنياً بانتهاء مرحلة الاعتماد الكامل على العملات الورقية.
وفي المقابل، تضاءلت البدائل الاستثمارية الموثوقة. العملات الرقمية فقدت جاذبيتها بعد الانهيارات المتكررة، والأسهم العالمية باتت تتحرك بلا اتجاه واضح، والسندات لم تعد ملاذاً آمناً بعد انخفاض أسعار الفائدة . في ظل هذا المشهد، لم يبق سوى الذهب ليحافظ على صموده التاريخي أمام الأزمات.
ما يثير القلق في الأوساط الاقتصادية ليس فقط ارتفاع سعر الذهب الحالي، بل احتمالية أن يتحول هذا الارتفاع إلى قفزة هائلة قد تصل إلى 150% إذا ما انهارت المعادلات المالية العالمية فجأة. موجة الشراء الجماعي من قبل البنوك المركزية والمؤسسات الكبرى يمكن أن تشعل سباقاً نحو التحصين، يعيد رسم خريطة الثروة في العالم.
ويبقى السؤال الذي يشغل المستثمر الفرد: هل عليه أن يحتفظ بذهب مادي بعيداً عن النظام المصرفي تحسباً لأي انهيار محتمل، أم يستثمر في الشركات العاملة في مجال الذهب والمعادن الثمينة؟
الاختيار هنا يتوقف على نظرة كل مستثمر إلى المستقبل. فالمتحوط من انهيار النظام المصرفي سيجد في الذهب المادي أماناً حقيقياً، بينما الباحث عن فرصة للنمو في المدى البعيد قد يفضل الاستثمار في أسهم الشركات المرتبطة بالذهب، التي تستفيد من أي ارتفاع في الأسعار بشكل مضاعف.
إننا أمام عالم يعيد صياغة مفهوم الثقة النقدية من جديد. الذهب لا يعود لأنه يزداد لمعاناً، بل لأن كل ما حوله بدأ يفقد بريقه. وحين تتراجع الثقة في الورق، لا يبقى سوى المعدن الثمين ليحمل عبء القيمة الحقيقية مرة أخرى.










