الصحة الواحدة .. ميلاد رؤية جديدة لمستقبل أكثر أمانا

في لحظة فارقة تستحق أن تسجل في الذاكرة العلمية والوطنية، شهد المركز القومي للبحوث إشهار الجمعية المصرية للصحة الواحدة (ESOH) ، من خلال الاجتماع السنوي الأول الذي جاء تحت شعار مفهوم الصحة الواحدة.
لم يكن هذا الحفل مجرد لقاء علمي تقليدي، بل كان إعلانا عن بداية مسار جديد يضع مصر في قلب حركة عالمية متنامية تعترف بأن صحة الإنسان لا تنفصل عن صحة الحيوان ولا عن البيئة التي نعيش فيها.
رسالة واضحة في زمن التحديات
منذ اللحظة الأولى، حملت كلمات الأستاذ الدكتور جميل زيدان، رئيس مجلس إدارة الجمعية، رسالة صريحة
"الأوبئة العالمية والتغيرات المناخية لا يمكن التصدي لها عبر حدود التخصصات الضيقة، بل من خلال نهج شامل يجمع بين الإنسان والحيوان والبيئة في منظومة واحدة".
إنها رؤية تنسجم مع التحولات الكبرى التي يشهدها العالم بعد جائحة كورونا وتزايد المخاطر البيئية، حيث لم يعد أمام المجتمعات سوى التكاتف العلمي والطبي والبيئي لمواجهة هذه التحديات.
إجماع وطني على المنهج الجديد
لم يكن الحضور أقل من الحدث؛ فقد اجتمع تحت سقف واحد ممثلون عن الجامعات والمعاهد البحثية وكليات الطب والصيدلة وطب الأسنان والطب البيطري، إلى جانب قيادات من وزارتي الصحة والتضامن الاجتماعي ونقابة الأطباء البيطريين.
وجاءت كلماتهم لتؤكد أن مصر قادرة على قيادة هذا التوجه بفضل خبراتها العلمية ومؤسساتها البحثية العريقة الدكتور مجدي حسن، نقيب الأطباء البيطريين شدد على أن البيطريين هم خط الدفاع الأول عن صحة الإنسان والحيوان.
الدكتور حسين درويش الأمين العام للجمعية ورئيس المركز القومي للبحوث الأسبق، أشار إلى أن المركز بما يضمه من 14 معهداً يمثل قوة
علمية هائلة قادرة على خدمة الصحة والاقتصاد الوطني.
صرحت الأستاذة الدكتورة عبير مصطفى عبد الحميد دكتوراه الأمراض المشتركة - جامعة القاهرة، وأستاذ الأمراض المعدية المركز القومي للبحوث، والأمين العام لصندوق الجمعية أن إشهار جمعية "الصحة الواحدة" جاء في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى تطبيق هذا النهج، لما له من دور فاعل في رفع كفاءة النظام الصحي والحد من انتشار الأمراض. وأضافت أن نهج "الصحة الواحدة" يعد إطارا تكامليا يربط بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة، مما يعزز القدرة على الاستجابة السريعة للتحديات الصحية المعاصرة، لا سيما في ظل التغيرات المناخية وزيادة خطر الأمراض المشتركة.
الدكتورة أمل نجيب ممثلة وزارة الصحة، أوضحت أن تطبيق نهج الصحة الواحدة سيسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية وتقليل انتشار
الأمراض.
الدكتورة إنجي الغيطاني حذرت من أن الصحة الواحدة لم تعد رفاهية، بل ضرورة وجودية.
نحو شراكة حقيقية بين الإنسان والبيئة
ولم يغب عن الحفل البعد البيئي والاجتماعي فقد أكدت الدكتورة صفاء السروجي على الترابط الوثيق بين البيئة وصحة الكائن الحي، بينما شددت الأستاذة أمل عكاشة ممثلة وزارة التضامن الاجتماعي على أن الجمعيات الأهلية هي الذراع المجتمعي القادر على دعم هذا النهج وترسيخه.
نقاشات تكشف عن التحديات
في الجلسة النقاشية الختامية، لفت الدكتور جمال شمس الانتباه إلى خطر البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية باعتبارها واحدة من أخطر التهديدات الصحية في العالم فيما أشاد الدكتور هشام الدمرداش، الخبير الدولي برؤية الجمعية الوليدة، مؤكدًا أنها وضعت لنفسها مكانا في الصفوف الأمامية للتوجهات العالمية.
خطوة تاريخية
إن تأسيس الجمعية المصرية للصحة الواحدة ليس مجرد إضافة جديدة إلى سجل الجمعيات العلمية، بل هو خطوة تاريخية تضع مصر على خريطة الجهود الدولية في مجال الصحة الواحدة، وتفتح بابا واسعا أمام التكامل بين المؤسسات والقطاعات الخدمة صحة المواطن وحماية المجتمع والبيئة.
فاليوم، ونحن نواجه وباء هنا، وتغيراً مناخيًا هناك، وأمراضاً مشتركة لا تعرف حدودا جغرافية، تبدو رسالة الصحة الواحدة أشد وضوحا وإلحاحا
صحة الإنسان والحيوان والبيئة ليست خطوطاً متوازية، بل خيوط متشابكة في نسيج واحد ... إذا انقطع خيط اهتز النسيج كله