منجم السكري.. مدينة ذهبية متكاملة في قلب الصحراء الشرقية

في قلب الصحراء الشرقية، وعلى مسافة تقارب 30 كيلومترًا من ساحل البحر الأحمر بالقرب من مدينة مرسى علم، يبرز منجم السكري للذهب كأحد أهم المشروعات التعدينية في تاريخ مصر الحديث، ليس فقط باعتباره منجمًا لاستخراج الذهب، وإنما كمدينة صناعية متكاملة نشأت وسط الصحراء، تضم كل مقومات التشغيل والحياة والعمل المستدام.

منجم السكري.. مدينة ذهبية متكاملة في قلب الصحراء الشرقية
منجم السكري

جذور تاريخية وبداية حديثة للإنتاج

رغم أن منطقة السكري عُرفت تاريخيًا بتعدين الذهب منذ العصور الفرعونية، فإن الاكتشاف الحديث للمنجم يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، قبل أن تبدأ أعمال التطوير والإنشاء الفعلي في الفترة ما بين عامي 2007 و2009، وصولًا إلى دخول المنجم مرحلة الإنتاج التجاري الكامل عام 2010، ليصبح أول منجم ذهب صناعي حديث يعمل وفق المعايير العالمية في مصر.

وشهد عام 2024 تحولًا محوريًا في مسيرة المنجم، مع انتقال ملكيته إلى شركة AngloGold Ashanti العالمية، عقب استحواذها على شركة سنتامين، وهو ما عزز من مكانة السكري ضمن محفظة واحدة من أكبر شركات تعدين الذهب في العالم.

بنية تحتية متكاملة وسط الصحراء

لم يُصمم منجم السكري كموقع تعدين تقليدي، بل كمنظومة صناعية متكاملة تضم عمليات تعدين سطحية وتحت أرضية، ومصنعًا متطورًا لمعالجة خام الذهب، إلى جانب شبكة واسعة من المرافق الداعمة. ويحتوي الموقع على مجمعات سكنية للعاملين، ومرافق طبية وخدمية، ومطاعم ومنشآت إعاشة، فضلًا عن وحدات تدريب وإدارة، وشبكة طرق داخلية تربط بين مناطق التشغيل المختلفة.

ويعتمد المنجم على مزيج من مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة، من بينها محطة طاقة شمسية، بالإضافة إلى خط أنابيب مخصص لنقل مياه البحر من ساحل البحر الأحمر لمسافة تقارب 30 كيلومترًا، لاستخدامها في عمليات المعالجة الصناعية.

إنتاج متواصل منذ أكثر من عقد

منذ بدء الإنتاج التجاري وحتى نهاية عام 2024، تشير البيانات الرسمية وتقارير الشركات المشغلة إلى أن إجمالي ما أنتجه منجم السكري من الذهب يتراوح بين 5.2 و5.8 مليون أوقية، وهو رقم يعكس استمرارية الإنتاج وقوة الاحتياطيات المعدنية بالمنطقة.

أما خلال عام 2024، فقد بلغ الإنتاج السنوي للمنجم نحو 450 ألف أوقية من الذهب، ليحافظ السكري على موقعه كأحد أكبر المناجم المنتجة للذهب في أفريقيا، وضمن قائمة المناجم ذات الإنتاج المرتفع عالميًا.

احتياطيات واعدة وخطط للتوسع

تُظهر التقارير الفنية الحديثة أن منجم السكري ما زال يمتلك احتياطيات مؤكدة وقابلة للاستخراج تتراوح بين 5.8 و6.2 مليون أوقية من الذهب، ما يمنحه عمرًا إنتاجيًا طويلًا نسبيًا.

 وتستهدف الشركة المالكة الحفاظ على معدلات إنتاج سنوية تتراوح بين 450 و500 ألف أوقية خلال السنوات المقبلة، بالتوازي مع التوسع في التعدين تحت الأرض وزيادة برامج الاستكشاف، بهدف تحويل المزيد من الموارد المعدنية إلى احتياطيات مؤكدة.

استثمارات ضخمة تعكس الثقة في المنجم

شهد منجم السكري ضخ استثمارات ضخمة منذ بدء تطويره، حيث تجاوز إجمالي الاستثمارات المصروفة عليه حاجز ملياري دولار، شملت إنشاء البنية التحتية، ومرافق المعالجة، والمعدات الثقيلة، وشبكات الطاقة والمياه.

ومع دخول AngloGold Ashanti كمستثمر رئيسي، تتجه الأنظار إلى مرحلة جديدة من الاستثمارات الإضافية، التي من المتوقع أن تركز على تعظيم الاحتياطيات، ورفع كفاءة الإنتاج، وتحسين الأداء البيئي والاستدامة التشغيلية.

فرص عمل وآلاف العاملين

يُعد منجم السكري من أكبر مصادر التوظيف في الصحراء الشرقية، حيث يعمل به نحو 5,500 عامل ما بين موظفين دائمين وعمالة غير مباشرة من خلال شركات المقاولات والخدمات المساندة. ويمثل الاعتماد الكبير على العمالة المحلية أحد الأبعاد الاجتماعية المهمة للمشروع، خاصة في المناطق المحيطة بمرسى علم وجنوب البحر الأحمر.

موقع متقدم بين مناجم الذهب عالميًا

من حيث حجم الإنتاج السنوي والاحتياطيات، يحتل منجم السكري موقعًا متقدمًا بين مناجم الذهب عالميًا، إذ يُصنف ضمن أكبر المناجم المنتجة في أفريقيا، وأحد المناجم المتوسطة إلى الكبيرة على مستوى العالم. ورغم أنه لا ينافس المناجم العملاقة التي تنتج ملايين الأوقيات سنويًا، فإن أداءه المستقر يضعه ضمن أفضل 20 إلى 40 منجم ذهب عالميًا وفقًا لمعايير المقارنة السنوية.

ذهب معاصر فوق أرض تاريخية

تتضاعف أهمية منجم السكري مع ما كشفت عنه الاكتشافات الأثرية الحديثة في محيطه، والتي أظهرت وجود مجمعات قديمة لاستخلاص الذهب تعود لآلاف السنين، في دلالة واضحة على أن المنطقة نفسها كانت أحد أقدم مراكز تعدين الذهب في التاريخ، لتلتقي فيها حضارة الماضي مع صناعة الحاضر.

ويمثل منجم السكري تجربة فريدة للتعدين الحديث في مصر، تجمع بين الإنتاج الصناعي الضخم، والاستثمار الأجنبي المباشر، والبنية التحتية المتكاملة، والتشغيل طويل الأمد. ومع استمرار التوسعات وخطط الاستكشاف، يظل السكري أحد أعمدة قطاع التعدين المصري، ورافدًا استراتيجيًا لدعم الاقتصاد الوطني خلال السنوات المقبلة.