الإبعاد الناعم: إعادة تموضع القيادات في وزارة البترول بين التدوير والتحجيم

وجوه تبقى... ومواقع تتبدل

الإبعاد الناعم: إعادة تموضع القيادات في وزارة البترول بين التدوير والتحجيم
م. يس محمد

في خطوة وصفت رسميًا بأنها تهدف إلى دعم المواقع البترولية بالكفاءات اللازمة لتحقيق الأهداف المستقبلية، أصدر وزير البترول والثروة المعدنية، المهندس كريم بدوي، حركة تنقلات وتكليفات جديدة شملت عددًا من القيادات البارزة في القطاع. وبينما حملت الحركة طابعًا إداريًا تقليديًا، فإن القراءة المتعمقة تكشف عن ملامح ما يمكن وصفه بـ"الإبعاد الناعم" لبعض الأسماء اللامعة، في إطار إعادة تشكيل مراكز النفوذ داخل المنظومة البترولية.

الإبعاد الناعم هو مصطلح غير رسمي يُستخدم لوصف تحركات وظيفية لا تُعد إقصاءً مباشرًا، لكنها تنقل القيادات من مواقع ذات تأثير سياسي أو استراتيجي إلى مواقع أقل نفوذًا، تحت غطاء التدوير أو الترقية الشكلية. وغالبًا ما يُستخدم هذا الأسلوب للحفاظ على التوازنات الداخلية دون إثارة صدامات أو حساسيات، وهو ما يبدو جليًا في حالة المهندس يس محمد أحمد يس، الذي انتقل من قيادة الشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) إلى منصب وكيل أول الوزارة، مع الإشراف على ملفات البيئة والسلامة وكفاءة الطاقة والمناخ. ورغم أن المنصب الجديد يحمل طابعًا إشرافيًا، إلا أنه يُعد في عرف القطاع "ركنة إدارية"، حيث يُبعد صاحبه عن الخط التنفيذي المباشر، ويقل تأثيره على القرارات اليومية، خاصة في ملف الغاز الطبيعي الذي يُعد من أكثر الملفات حساسية واستراتيجية.

أما المهندس معتز أحمد عاطف حسن، فقد انتقل من موقع مركزي إعلامي واستشاري، حيث كان يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم الوزارة ورئيس المكتب الفني للوزير ورئيس الإدارة المركزية للإعلام، إلى قيادة شركة خالدة للبترول، وهي شركة إنتاجية كبيرة في الصحراء الغربية. هذا التحول في طبيعة الدور لا يُمثل ترقية فعلية، بل يُفهم كإعادة تموضع بعيدًا عن دوائر القرار السياسي والإعلامي، خاصة أن منصبه السابق كان يتيح له التأثير المباشر في صياغة الرسائل الرسمية وصناعة الصورة العامة للوزارة. تعيين محمد سليمان داود مديرًا عامًا للإعلام بدلًا من المهندس معتز يعكس توجهًا نحو فصل الأدوار، وربما تقليص النفوذ الإعلامي لبعض القيادات السابقة.

الحركة بمجملها تشير إلى رغبة في إعادة توزيع النفوذ داخل الوزارة، وتقديم وجوه جديدة في مواقع التأثير، مع تمكين إداري لا تنفيذي لبعض القيادات السابقة. ورغم أن الوزارة تصف الحركة بأنها "تبادل خبرات"، فإن السياق العام، وطبيعة المناصب الجديدة، تشير إلى تحجيم فعلي لبعض القيادات، خاصة أولئك الذين كانوا في قلب صناعة القرار أو واجهة الإعلام. الإبعاد الناعم هنا يُستخدم كأداة لإعادة ضبط الإيقاع الداخلي دون أن تُسقط الأوراق، في قطاع حساس مثل البترول، حيث تتداخل المصالح الفنية والسياسية والإعلامية، ولا تُقرأ الحركات الوظيفية من ظاهرها فقط.

وبينما تواصل الوزارة الترويج لخططها المستقبلية، فإن فهم هذه التحركات يظل ضروريًا لفهم ديناميكيات السلطة داخل المنظومة البترولية المصرية، حيث يظل الإبعاد الناعم أحد أدوات الإدارة الهادئة، التي تُعيد ترتيب المشهد دون أن تُحدث ضجيجًا.