"اللواء سمير فرج يكشف كواليس "الخداع الاستراتيجي" الذي غير وجه المعركة ويضع إسرائيل في أصعب مواقفها أمام العالم."
تتجدد التساؤلات حول طبيعة الصراع الإيراني الإسرائيلي مع كل تصعيد، فهل ما نشهده اليوم هو مجرد حلقة جديدة في سلسلة المناوشات المعتادة، أم أننا أمام تحول نوعي قد يغير قواعد اللعبة في المنطقة؟ لطالما ارتبطت التحركات الإيرانية الإسرائيلية بتكهنات حول "الضربات التمثيلية" أو "الرسائل الخفية"، خاصة بعد هجوم أبريل 2024 الذي اعتبره البعض مجرد استعراض للقوة.ولكن، يبدو أن المشهد الحالي يحمل في طياته أبعادًا مختلفة وغير مسبوقة. فبعد هجوم إسرائيلي "استباقي" ومباغت على الأراضي الإيرانية استهدف منشآت نووية وكبار القادة، جاء الرد الإيراني هذه المرة باستخدام صواريخ "فرط صوتية" متطورة، أثارت دهشة العالم وشككت في القدرات الدفاعية الإسرائيلية التي طالما اعتبرت حصينة.

"صدمة إسرائيلية ورهان إيراني جديد: صواريخ "فتاح" تكسر حاجز المستحيل في الشرق الأوسط"
حوار زينة عبد القادر
في هذا الحوار المثير، تلتقي الزميلة زينة عبد القادر باللواء الدكتور سمير فرج، الخبير الاستراتيجي المرموق، ليجيب عن التساؤلات المحورية: هل ما يحدث اليوم هو استمرار للتمثيلية السابقة، أم أننا أمام تطورات حقيقية ستعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط؟ وما هي الكواليس الخفية وراء التوقيت المباغت للهجوم الإسرائيلي، وكيف كان الرد الإيراني الذي كشف عن قدرات عسكرية جديدة؟ وما هي التكهنات بشأن مستقبل العلاقة بين البلدين في ظل هذه التطورات غير المسبوقة؟ دعونا نستمع إلى تحليل اللواء الدكتور سمير فرج ليضع النقاط على الحروف في هذا المشهد المتسارع.
إلى نص الحوار
تحدثنا من قبل سيادة اللواء عن هجمة ايران في أبريل ٢٠٢٤ عن تمثيلية ضرب ايران لاسرائيل للتصدي للقضية الفلسطينية.. هل اليوم يحدث مثل ماحدث من قبل ام ماذا ؟
الهجوم هذة المرة مختلف لان إسرائيل شنت هجومها قوياً على الأراضي الإيرانية في فجر يوم الجمعة 13 يونيو، ونفذت ضربة استباقية واستهدفت المنشآت النووية في عملية عسكرية اطلقت عليها اسم "الأسد الصاعد"، بهدف منع إيران من امتلاك السلاح النووي.
وبالفعل نفذت في هذة العملية باغتيال عدد من العلماء النوويين الإيرانيين بالإضافة إلى اغتيال عشرون من القادة الإيرانيين، من بينهم اللواء محمد باقري، رئيس أركان القوات الإيرانية، واللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، واللواء أحمد رضا ذو الفقاري، أستاذ الهندسة النووية، والأميرال علي شمخاني، مستشار الإمام خامنئي، بالإضافة إلى رئيس لجنة المفاوضات مع الولايات المتحدة، ومدير الاستخبارات الإيرانية، ونائب رئيس هيئة العمليات، وغيرهم.
وقد تمكنت الضربات الإسرائيلية من إصابة الدفاعات الجوية الإيرانية وايضا شبكات الإنذار والرادار، إلا أن ضرباتها ضد المنشآت النووية الإيرانية لم تكن بنفس القوة حيث كانت إيران قد نجحت خلال السنوات الماضية في نقل المفاعلات النووية إلى الجبال، لذلك عندما هاجمت الطائرات الإسرائيلية منطقة نطنز، عاصمة المفاعلات النووية الإيرانية، لم تنجح في تدميرها كما ظنت.
كيف حدث ذلك بالرغم من الاتفاق علي عقد جلسة المفاوضات التي تعتبر السادسة التي كان المقرر انعقادها يوم الأحد ١٥يونيو ٢٠٢٥ ؟
هذا هو الخداع الاستراتيجي و الهجوم الذي شنته إسرائيل بمباغتة إيران بتوقيته قبل يومين من موعد عقد جلسة المفاوضات السادسة والتي كانت مُقررة بين وفود كل من إيران، وإسرائيل، والولايات المتحدة، في سلطنة عمان، للاتفاق على حل نهائي يضمن عدم امتلاك إيران للسلاح النووي، خاصة وأن الرئيس الأمريكي قد هدد بأن عدم التوصل إلى اتفاق في ذلك اليوم من شأنه اتخاذ إجراءات حاسمة ضد إيران.
لذا فقد توقع الساسة الإيرانيون، ومعهم القادة العسكريون في طهران عدم قيام إسرائيل بأي عمل عسكري، إلا بعد يوم الأحد على أسوأ تقدير. وهو الخطأ الكبير الذي وقعت فيه القيادة العسكرية الإيرانية، بعدم الالتزام بالمبادئ العسكرية التي تفرض عليها الجاهزية للقتال في أي وقت، دون النظر للاعتبارات السياسية خاصة في مثل تلك الأوقات التي يسودها التوترات والمشاحنات. كذلك خُدع الإيرانيون بإعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن نُصحه لإسرائيل بعدم القيام بأي عمليات عسكرية ضد إيران، مثلما خُدعوا بالإعلان عن إقامة حفل خطوبة نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي في الأسبوع القادم.
كل تلك العوامل أدت إلى اقتناع القيادة السياسية والعسكرية الإيرانية، بأن إسرائيل لن تبادر بأي عمل عسكري، حتى فوجئوا في فجر يوم الجمعة ١٣ يونيو بالهجوم الجوي الإسرائيلي. ومع حلول مساء ذلك اليوم، وبعدما عينت إيران قادة جدد في المناصب الرئيسية بدأت ردها بشن الضربة المضادة لإسرائيل، مستخدمة الطائرات المسيرة الإيرانية، والصواريخ من طراز "فتاح 1 و2"، المصنفة كصواريخ "فرط صوتية".
ممكن حضرتك تعطينا نبذة عن أنواع تلك الصواريخ للأسلحة العسكرية؟
طبعاً، مجال الأسلحة العسكرية يضم أنواع مختلفة من الصواريخ، منها الباليستية، التي يتم تصنيفها وفقاً لمداها، فمنها قصيرة المدى التي يبلغ مداها 1000 كيلو متر، ومتوسطة المدى التي يتراوح مداها بين 1000 إلى 3500 كيلو متر، وفوق المتوسطة التي تصل مداها إلى 5500 كيلو متر، وأخيراً طويلة المدى أو عابرة القارات التي تصل لأبعد من 5500 كيلو متر، ولا تتجاوز سرعة الصواريخ الباليستية 5 ماخ (أسرع من الصوت).
أما النوع الآخر من الصواريخ الموجودة بالترسانات العسكرية، فهو الصاروخ الفرط صوتي الذي تبدأ سرعته من 5000 ماخ، وتصل في بعض الأحيان إلى 17000 ماخ، عند خروجه من الغلاف الجوي، كما يتميز بقدرته على مراوغة الدفاعات الجوية المعادية، عكس الصواريخ الباليستية التي تفتقد إلى تلك المرونة، إذ تخترق الصواريخ الفرط صوتية المجال الجوي، وتنطلق في الفضاء حتى تصل إلى أهدافها، وخلال تلك الفترة، لا يمكن كشفها أو التصدي لها.
كيف كان رد ايران على الهجمات والاغتيالات ؟
استخدمت إيران الصاروخ "فتاح 1 و2" الفرط صوتي، الذي يبلغ مداه 1400 كيلو متر، والقادر على تخطي كافة منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، فأطلقتهم إيران باتجاه إسرائيل، التي تستخدم أربعة أنظمة للدفاع الجوي ضد الطائرات والصواريخ المعادية، وهي القبة الحديدية، ومداها من 4 إلى 70 كيلو متر، ونظام مقلاع داوود ومداه من 40 إلى 300 كيلو متر، ونظام السهم (آرو)، ويصل مداه حتى 2300 كيلومتر، فضلاً عن نظام "ثاد" الأمريكي، الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل دعماً لها.
كما استخدمت إيران تكتيكاً عسكرياً، فمع وصول الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية إلى الأهداف الإسرائيلية، كانت قد سبقها بدقائق وصول الطائرات الدرونز، فنجحت بذلك في تشتيت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية.
العالم ينظر في دهشة! .. هل الذي يحدث لاسرائيل حقيقي ؟
طبعا لأول مرة يشعر سكان إسرائيل بالخوف والهلع، واندفعوا للهروب إلى الملاجئ تحت الأرض، وهم بالملابس الداخلية، بعد دوي صفارات الإنذار، وبدأت إسرائيل تتجرع طعم الإهانة أمام ضربات الصواريخ الفرط صوتية.
هل كانت الاستخبارات الإسرائيلية تعلم بامتلاك ايران لتلك الصواريخ الفرط صوتية ؟
المشكلة لم تكن في علمها ماذا يحدث لها عند استخدام ايران لتلك الصواريخ، إذ تعلم إسرائيل بامتلاك إيران لتلك الصواريخ مثلما تعلم قدراتها، إلا أن المشكلة كانت في ظنها على قدرة أنظمة دفاعاتها الجوية القبة الحديدية ومقلاع داوود والسهم وثاد، على التصدي لتلك الصواريخ.
ماهي التكهنات حول الوضع السياسي فيما بعد بين ايران واسرائيل؟
لا يوجد اي تكهنات لعدم حسم الأحداث حتى كتابة تلك السطور، وبصرف النظر عما ستؤول إليه الأحداث، إلا أن لا احد يمكنه إنكار أنها وضعت إسرائيل في أسوأ موقف، فمن ناحية شعبها مختبئ مذعوراً في الملاجئ، و"جيشها الذي لا يُقهر"، صار عاجزاً أمام الفرط صوتي الإيراني، رغم محاولات بس الطمأنينة وإظهار الثبات من خلال التصريحات الإعلامية.