إيناس العدوي تكتب: الغاز بين الطموح والواقع.. كيف تخطط مصر لاستعادة توازنها في سوق الطاقة؟
بين طموح العودة إلى التصدير وضغوط الاستيراد المتزايدة، تتحرك مصر بخطى حذرة لإعادة رسم خريطتها في سوق الغاز الطبيعي، مستندة إلى رؤية طويلة الأمد تقوم على تطوير البنية التحتية، وتحفيز الشركاء الدوليين، وتعزيز الكفاءة الإنتاجية.
فبعد أن كانت مصر في موقع الريادة كمصدر رئيسي للغاز الطبيعي المسال في شرق المتوسط، وجدت نفسها خلال العامين الأخيرين أمام واقع مغاير، إذ تحولت من مصدّر صافٍ إلى مستورد يعتمد على شحنات الغاز المسال لتغطية احتياجات السوق المحلي، بسبب تراجع الإنتاج من الحقول البحرية وتباطؤ الاستثمارات الجديدة نتيجة تراكم مستحقات الشركات الأجنبية.
وحدة إدكو.. خطوة نحو الاستقلال الطاقي
تمثل خطة مصر لتشغيل أول وحدة تغويز ثابتة في أغسطس 2027، بتكلفة تقارب 200 مليون دولار، تحولاً استراتيجياً في إدارة ملف الغاز.
المشروع يُنفذ داخل مصنع إدكو المتوقف عن العمل بمحافظة البحيرة، بالشراكة مع شركتي شل وبتروناس، وتستهدف الدولة من خلاله تقليص الاعتماد على الوحدات العائمة باهظة التكلفة، التي تستهلك أكثر من 200 مليون دولار سنوياً في الإيجارات.
الوحدة الجديدة ستتيح استقبال الغاز المسال المستورد وإعادة تحويله إلى حالته الغازية لتغذية الشبكة القومية، بما يضمن مرونة في تلبية الطلب المحلي دون اللجوء لحلول مؤقتة أو مكلفة.
تحولات البنية التحتية ودور الشركات العالمية
وتأتي هذه الخطوة في إطار إعادة توظيف أصول مصر في الغاز، حيث تستحوذ شل و"بتروناس" على نحو 71% من محطة إدكو، بينما تبلغ حصة الحكومة ممثلة في هيئة البترول وإيجاس نحو 24%، إضافة إلى 5% لشركة إنجي الفرنسية.
هذا التوازن في الشراكات يعكس إدراك الدولة لأهمية نقل التكنولوجيا وتوطين الخبرة، لا سيما في مجالات التغويز والتسييل والتخزين. كما يفتح الباب أمام نمط جديد من الاستثمارات المشتركة في مشاريع الغاز، يقوم على المشاركة في الملكية والإدارة بدلاً من الاعتماد على الاستيراد وحده.
الإنتاج المحلي.. بين التراجع والآمال المستقبلية
وتراجع إنتاج مصر من الغاز إلى نحو 4.1 مليار قدم مكعب يومياً مقابل احتياجات تتجاوز 7 مليارات قدم مكعب خلال الصيف، ما دفعها لاستيراد الغاز لتلبية الطلب الصناعي والكهربائي.
ومع ذلك، تتوقع وزارة البترول أن يرتفع الإنتاج إلى 6.6 مليار قدم مكعب يومياً بحلول 2027، وهو ما يعيد الأمل في العودة للتصدير عبر محطتي إدكو ودمياط، خصوصاً بعد تنفيذ مجموعة من المشروعات التنموية بالشراكة مع شركات عالمية مثل شل، أباتشي، إيني، وتوتال إنرجيز.
الغاز كرافعة للاقتصاد الصناعي
رغم الضغط المالي الناتج عن الاستيراد، تواصل الدولة دعم الأنشطة الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة، في خطوة تهدف للحفاظ على معدلات التشغيل والإنتاج، مع الموازنة بين متطلبات التنمية الاقتصادية وأمن الطاقة.
كما تراهن الحكومة على تعزيز العقود طويلة الأجل مع الشركاء الدوليين لتأمين الإمدادات وضمان الاستدامة المالية، بالتوازي مع جهود رفع كفاءة الاستهلاك المحلي وتقليل الفاقد.
مستقبل الطاقة في مصر.. رؤية نحو التوازن
يُظهر التوجه المصري نحو إنشاء وحدة تغويز ثابتة وتوسيع البنية التحتية أن الدولة لا تنظر إلى الغاز كمصدر طاقة فقط، بل كعنصر استراتيجي للأمن القومي والتنمية الصناعية.
فالمعادلة اليوم ليست بين التصدير أو الاستيراد، بل بين الاستدامة والكفاءة، وهو ما يجعل من عام 2027 محطة فاصلة في رحلة مصر لاستعادة توازنها في سوق الطاقة الإقليمي.










