ارتفاع أسعار الغاز تهدد استمرار الصناعات أوروبا

ارتفاع أسعار الغاز تهدد استمرار الصناعات أوروبا
الغاز الطبيعي

أصبحت آلام ارتفاع أسعار الغاز منتشرة في كل مكان في أوروبا خلال العام الحالي، لكن بالنسبة لبعض الشركات، فإن التكاليف الإضافية أكثر من مجرد مشكلة إدارية وكسر هوامش الربح.. فهي تشكل تهديداً وجودياً.

هذه الشركات المصنعة، مستخدمة كثيفة للطاقة في القارة ومكان عمليات مستمرة وساخنة، و يمكن أن تصل فواتير الطاقة السنوية إلى ملايين اليورو.

ولا شك أن التحكم في درجة الحرارة بالنسبة إليها لا ينطوي على خفض منظم الحرارة في المكتب ، بل حرق الغاز الطبيعي لتوليد الحرارة الشديدة التي تعد جزءًا غير قابل للتفاوض من خطوط إنتاجها.

وبالنسبة إليها، كانت أزمة الطاقة تعني الإغلاق أو فصل العمال أو حتى تقديم طلبات الإفلاس، لكن الأسوأ ربما لم ينته بعد، لأن الاختبار الأكثر صرامة لُملاك المصانع في أوروبا سيأتي في أشهر الشتاء المقبلة الباردة والمكلفة، حيث تهدد درجات الحرارة المتجمدة وانقطاع التيار الكهربائي بدفعهم إلى حافة الهاوية.

صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية تتبعت أداء ثلاث شركات عبر منطقة اليورو والتحديات التي تواجهها وكيفية التعامل معها وآمالها ومخاوفها في الأشهر المقبلة.

شركة “نيو مورانو جاليري”

تعمل الشركة المصنعة للزجاج في صنع المزهريات المتوهجة والثريات وغيرها من الحلي في جزيرة مورانو الصغيرة بجوار فينيسيا منذ ثمانية قرون، لكن القطاع يواجه الآن لحظة حاسمة وهي إيجاد وسيلة لتمويل ارتفاع سعر الغاز المستخدم لإبقاء الأفران مشتعلة عند أكثر من 1000 درجة مئوية على مدار الساعة.

كان تشغيل الفرن يكلف 7000 يورو شهرياً قبل أن يؤدي الغزو الروسي لأوكرانيا خلال العام الحالي إلى ارتفاع أسعار الغاز، لكنه يكلف الآن ما يصل إلى 110 آلاف يورو، وهو وضع “من المستحيل إدارته”، حسب قول أندريا بيروتا، المؤسس المشارك لشركة “نيو مورانو جاليري”.

وأوضح بيروتا أن “الطاقة هي الشيء الرئيس، لكن الأمر لا يتعلق بالطاقة فحسب. بل المواد الخام، والتعبئة والنقل. لقد ارتفع سعر كل شيء”.

نجت الشركة بفضل مساعدات الحكومة.

فمنذ أكتوبر تمكنت الشركات الإيطالية من الوصول إلى الإعفاءات الضريبية لـ40% من فواتيرها للطاقة.

كما أُجبرت الشركة على اتخاذ قرارات جذرية بشأن تصميم منتجاتها. فعلى سبيل المثال حولت تركيزها إلى الأعمال ذات الهامش الأعلى.

ورغم جميع تدابير توفير التكاليف، فإن الشركات “بالكاد تنجو” فقط، “إننا نعيش كل يوم بيومه. ليس لدينا أي يقين”، حسب قول بيروتا.

شركة “ريلوندا”

يقول ديفيد فرنانديز فالاداريس، المدير العام لشركة “ريلوندا”، إن “فواتير الطاقة تستهلك يورو من كل 2 يورو في المبيعات الناتجة عن قطاع البلاط في إسبانيا، ولا تزال شركته تحقق أرباحا، لكن هوامشها انهارت بنحو ثلاثة أرباع منذ العام الماضي، بالتالي فإن الوضع قاس”.

يذكر أن الشركات المصنعة للبلاط تستهلك نحو عُشر إمدادات الغاز الصناعي في إسبانيا.

أجبرت أزمة الطاقة بالفعل على الإغلاق الدائم لبعض المصانع في مقاطعة كاستيلون الأوسع، وتسببت في جعل مئات من الموظفين زائدين عن الحاجة وأشعرت 9000 من القوى العاملة في القطاع البالغ عدد موظفيه 17 ألف فرد، بإمكانية منحهم إجازة قريباً رغم عدم إرسالهم جميعاً إلى منازلهم بعد.

كذلك، نقلت شركة “ريلوندا” بعض تكاليفها المرتفعة إلى العملاء، فقد سمح فالاداريس بمجموعة واحدة من الزيادات في الأسعار منذ حرب أوكرانيا، إضافة إلى ارتفاعين سابقين عكسا ارتفاعا في أسعار الغاز المدفوعة بالانتعاش الاقتصادي بعد الوباء.

في المجمل، ارتفعت أسعارها بمتوسط 30% منذ أكتوبر من عام 2021.

شركة “فولمان كيمي”

من الجيل الثالث من عائلته، وهي مؤسسة تجسد ميتلشتاند الألمانية “الشركات الألمانية الصغيرة أو المتوسطة المستقرة”.

عانت معظم الشركات الألمانية الصغيرة أو المتوسطة، التي غالباً ما تدار عائليا، لعقود من الاضطرابات خلال فترة ما بعد الحرب لتشكيل أساس أكبر اقتصاد في أوروبا.

يقول هنريك فولمان، الذي يدير شركة “فولمان كيمي”، إن “الشركة نجت من أزمة الطاقة في السبعينيات”، لكنه قلق بشأن مصير صناعة الكيماويات في ألمانيا، التي تستهلك نحو ثلث الغاز الذي تستهلكه القاعدة الصناعية في الدولة.

كان الوباء صعباً كفاية في ظل الزيادات “الهائلة” في أسعار المواد الخام، التي نقلها فولمان إلى العملاء إلى حد كبير.

السؤال الآن، كما يقول، هو إلى أي مدى سيكون عملاء صناعة الكيماويات الألمانية على استعداد لتحمل عبء تكاليف الطاقة المرتفعة قبل بدء البحث عن موردين جدد في آسيا أو أمريكا الشمالية، كلتا المنطقتين لم تتأثر بأزمة الغاز.

جدير بالذكر أن الشركة العائلية توقفت بالفعل عن الإنتاج في عطلات نهاية الأسبوع بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وبصرف النظر عن خزان البترول، فقد استبدل فولمان أخيرا محركي غاز يستخدمان لتبريد وتسخين المفاعلات بمحركين يمكن تشغيلهما أيضا باستخدام البترول، كما تكلف المحركات الجديدة الشركة نحو 400 ألف يورو.

كذلك، يقول فولمان إنه “ما يزال يدفع أجوراً كاملة للموظفين رغم ساعات العمل المخفضة”، مضيفاً :”كانت تكاليف الطاقة تمثل 2% من حجم أعمالنا، لكنها تبلغ الآن 6%، وليس لدي أي فكرة عما ستكون عليه في العام المقبل”.

أيضاً يذكر أن الشركة، التي تحقق إيرادات سنوية تزيد قليلا على 260 مليون يورو، زاد إنفاقها نحو 10 ملايين يورو على الطاقة خلال العام الحالي، مقارنة بما كانت تنفقه قبل حرب أوكرانيا.