تشهد مصر حالة من التوتر الصامت فيما يخص ملف الطاقة، إذ تُظهِر المؤشرات الفنية والبيانات التشغيلية أن منظومة الكهرباء تواجه تحديات حقيقية رغم عدم انقطاع التيار حتى الآن.
الأزمة الراهنة، التي تفجّرت إثر توقف إمدادات الغاز القادمة من شرق المتوسط، لم تكن أزمة جديدة بحد ذاتها، لكنها كشفت عن مشكلات هيكلية مزمنة، أبرزها ضعف التنسيق المؤسسي، وتراجع الطاقة الإنتاجية، وانفصال القرارات بين وزارتي الكهرباء والبترول.
في يونيو/حزيران 2025، أدى التصعيد الإقليمي إلى توقف مفاجئ في تدفقات الغاز عبر الخطوط، مما تسبب في فقدان نحو 800 مليون قدم مكعبة يوميًا من الغاز، وهو مورد هامشي لكنه بالغ الأهمية خلال أوقات الذروة.
وعلى الرغم من نجاح وزارة الكهرباء حتى الآن في تفادي تخفيف الأحمال، فإن استمرار هذا الوضع دون تدخل سيؤدي حتمًا إلى اضطرابات.
لكن الأزمة لم تكن نتيجة الحدث الإقليمي فحسب، بل كشفت عن هشاشة البنية التحتية للطاقة في مصر، حيث تبيّن غياب سيناريوهات الطوارئ، ووجود مشكلات في تشغيل وحدات التغويز (FSRU) رغم جاهزيتها المُعلَنة، فضلاً عن تراجع تدريجي في الإنتاج المحلي للغاز دون وضوح بشأن خطط التعويض أو الاسترداد.
التباين بين أداء الكهرباء والبترول
بحسب بيانات يونيو2025، بلغ إجمالي الوقود المتاح لتوليد الكهرباء 4.71 مليار قدم مكعبة مكافئ يوميًا، مقارنة بـ5.83 مليار قدم مكعبة في الشهر نفسه من عام 2024، ما يعكس انخفاضًا بنسبة 19.3%.
ورغم التراجع، لم تحدث انقطاعات واسعة، وهو ما يُبرز كفاءة تشغيل محطات الكهرباء التي استطاعت تعويض العجز عبر إجراءات تشغيلية مرنة وترشيد الأحمال.
لكن هذه الكفاءة في إدارة أزمة الكهرباء تتناقض مع إخفاق وزارة البترول، التي لم تقدّم بدائل واضحة أو تستغل قدرات وحدات الاستيراد، كما لم تفصح عن أسباب تراجع الإنتاج المحلي أو خطط التعامل مع الأزمة.
خلل مؤسسي ومحاسبي واضح
تكشف الأزمة عن مشكلات جوهرية في هيكلة قطاع الطاقة، حيث تتحمل وزارة الكهرباء مسؤولية استقرار الأحمال اليومية وتكلفة الوقود، بما في ذلك المازوت والسولار، دون أن يكون لها سلطة تحديد نوع الوقود أو جدول تدفقه.
في المقابل، لا توجد آلية واضحة لمساءلة وزارة البترول بشأن إخفاقها في التوريد، كما يغيب إطار زمني شفاف يربط بين الإنتاج والتوزيع، إضافة إلى غياب تقييم مستقل لخسائر التأخير في تشغيل وحدات التغويز، مما يعكس ضعف الحوكمة في القطاع.