أ. د. جميل زيدان يكتب : مصر القوية والرد الحاسم على ترامب والإسرائيليين .. بين التصعيد الدبلوماسي والخطوات الجريئة
في ظل التصريحات المتكررة من أكبر مسؤول أمريكي ووزيرين إسرائيليين متطرفين، والتي تتماشى مع طرح تهجير سكان غزة إلى خارج القطاع، تتجدد التساؤلات حول موقف مصر من هذه الطروحات التي تمس أمنها القومي وحقوق الشعب الفلسطيني. تصريحات وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، حول "تشجيع الهجرة" كحل للأزمة في غزة، لم تكن الأولى من نوعها، لكنها أثارت ردود فعل غاضبة، خاصة أنها تأتي في سياق الحرب المستمرة على القطاع، والتي خلفت آلاف الضحايا والنازحين.

موقف مصر الرسمي
أدانت مصر هذه التصريحات مرارًا، مؤكدة رفضها القاطع لأي محاولات لتغيير التركيبة السكانية لقطاع غزة، واعتبرتها مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف. وزير الخارجية المصري شدد على أن التهجير القسري يمثل "جريمة حرب"، وهو ما يؤكد التزام القاهرة بثوابتها تجاه القضية الفلسطينية. لكن رغم هذه الإدانة، لم تعلن مصر حتى الآن عن أي خطوات تصعيدية واضحة، مثل استدعاء السفير الأمريكي لتقديم احتجاج رسمي، أو اتخاذ إجراءات دبلوماسية حازمة ضد إسرائيل، وهو ما يثير تساؤلات حول جدوى الردود الدبلوماسية التقليدية في مواجهة مثل هذه التهديدات.
المطالبة بأم الرشراش كحل بديل؟
هناك أصوات تطالب بفتح ملف "أم الرشراش"، وهي أرض مصرية محتلة، كإحدى الأوراق التي يمكن لمصر استخدامها في الرد على الطروحات الإسرائيلية غير المشروعة. يرى البعض أن استعادة أم الرشراش يمكن أن تكون خطوة استراتيجية لحماية الأمن القومي المصري، ونقل جزء من الفلسطينيين إليها تحت السيادة المصرية، مما يعزز الموقف المصري في المفاوضات المستقبلية.
ترامب لا يفهم سوى لغة المصالح والصفقات
منذ صعود دونالد ترامب إلى المشهد السياسي، كان واضحًا أنه رجل أعمال قبل أن يكون رئيسًا، يتعامل مع السياسة كما يتعامل مع الصفقات التجارية، حيث تحكمه لغة المصالح وليس المبادئ. هذه العقلية جعلته ينظر إلى العلاقات الدولية من زاوية الربح والخسارة، بعيدًا عن الاعتبارات الإنسانية أو الالتزامات الأخلاقية. بالنسبة للعالم العربي، لم تكن سياسات ترامب يومًا غامضة، بل كانت مباشرة وصريحة: "ادفعوا أو تحملوا العواقب". من صفقة القرن إلى الابتزاز الاقتصادي لدول الخليج، كانت استراتيجيته قائمة على استنزاف الموارد دون تقديم أي التزام حقيقي للأمن والاستقرار.
الابتزاز والضغط على الدول العربية
ترامب لم يتردد في استغلال القضايا العربية للضغط على الحكومات وجعلها تدفع أثمانًا سياسية واقتصادية باهظة. فمن قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلى الضغط على الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل دون ضمان حقوق الفلسطينيين، بدا واضحًا أنه يعمل بمنطق المصلحة الذاتية البحتة. أما على صعيد الاقتصاد، فقد فرض صفقات سلاح ضخمة على بعض الدول العربية، ملوحًا بتهديدات أمنية، كما فعل مع بعض دول الخليج عندما طالبها علنًا بدفع "ثمن الحماية الأمريكية".
كيف يمكن للعرب مواجهة نزوات ترامب؟
من الدروس التي يمكن استخلاصها من فترة ترامب، أن السياسة الدولية لا ترحم الضعفاء، ولا تحترم إلا من يملك القوة والمصالح الاستراتيجية. لذلك، على الدول العربية أن تعمل وفق رؤية موحدة، تتجنب فيها التبعية المطلقة، وتبني شراكات متوازنة مع القوى العالمية، بدلاً من الارتهان لرغبات رئيس أمريكي يرى فيهم مجرد مصدر للأموال والنفوذ. يجب أن تكون هناك استراتيجية عربية موحدة، ترتكز على تقوية الجبهات الداخلية، وتعزيز الاستقلال الاقتصادي والتكنولوجي، والبحث عن تحالفات بديلة تحقق التوازن المطلوب في مواجهة السياسات الأمريكية المتقلبة.
بين الدبلوماسية والحسم المطلوب
يدرك الجميع أن مصر تلعب دورًا محوريًا في الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو ما قد يفسر حرصها على تجنب أي تصعيد قد يؤثر على جهود التهدئة. لكن في الوقت نفسه، فإن التهاون في الرد على مثل هذه التصريحات قد يُفهم على أنه قبول ضمني أو ضعف في مواجهة التحديات الإقليمية. من ناحية أخرى، يرى بعض المراقبين أن مصر بحاجة إلى اتخاذ موقف أكثر صلابة، عبر تحركات سياسية واضحة، مثل تقديم شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة، أو الضغط دبلوماسيًا على الولايات المتحدة لإلزام إسرائيل باحترام القوانين الدولية.
هل تنسحب مصر من معاهدة السلام؟
مع تصاعد التصريحات والتهديدات الإسرائيلية، يطرح البعض تساؤلات حول إمكانية أن ترد مصر بخطوة أكثر جرأة، مثل إعادة النظر في اتفاقية السلام مع إسرائيل، خاصة إذا استمرت تل أبيب في انتهاج سياسات توسعية تهدد استقرار المنطقة. كما أن دعم المقاومة الفلسطينية وتزويدها بالإمكانيات اللازمة قد يكون أحد الخيارات الاستراتيجية للضغط على إسرائيل.
هل حان الوقت لموقف أكثر صرامة؟
بين التصريحات والواقع، تبقى المسؤولية على القيادة المصرية في اتخاذ ما يلزم لحماية الأمن القومي المصري، والدفاع عن الحقوق الفلسطينية. فهل ستكتفي القاهرة بالإدانات الرسمية، أم أنها ستتخذ خطوات أكثر حدة لردع أي محاولات إسرائيلية لإعادة رسم خريطة المنطقة بالقوة؟